فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما قدم الساعة تهويلًا تنبيهًا على أنها لشدة ظهور دلائلها كأنها مرئية بالعين هزًا لهم إلى تقليب أبصارهم لتطلب رؤيتها، أبدل منها زيادة في التهويل قوله تعالى: {أن تأتيهم} وحقق احتمال رؤيتها بقوله: {بغتة} ولما كان البعث قد يطلق على ما يجهل من بعض الوجوه، أزال هذا الاحتمال بقوله: {وهم لا يشعرون} أي لا يحصل لهم بعين الوقت الذي يجيء نوع من أنواع العلم، ولا بما كالشعرة منه.
ولما كانت الساعة تطلق على الحبس بالموت وعلى النشر بالحياة، بين ما يكون في الثاني الذي هم له منكرون من أحوال المبعوثين على طريق الاسئتناف في جواب من يقول: هل يقومون على ما هم عليه الآن؟ فقال: {الأخلاء} أي في الدار {يومئذ} أي إذ تكون الساعة وهي ساعة البعث التي هي بعض مدلول الساعة {بعضهم لبعض عدو} ولما ينكشف لهم من أن تأخيرهم في الحياة هو السبب في عذابهم، فيقول التابع للمتبوع: أنت غررتني فضررتني، ويقول المتبوع: بل أنت كبرتني فصغرتني، ورفعتني فوضعتني، ونحو هذا من الكلام المؤلم أشد الإيلام {إلا المتقين} الذين تقم أمرهم بالتقوى وحثهم عليها. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قال قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ}.
اعلم أنه تعالى ذكر أنه لما جاء عيسى بالمعجزات وبالشرائع البينات الواضحات {قال قَدْ جِئْتُكُم بالحكمة} وهي معرفة ذات الله وصفاته وأفعاله {وَلابَيّنَ لَكُم بَعْضَ الذي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} يعني أن قوم موسى كانوا قد اختلفوا في أشياء من أحكام التكاليف واتفقوا على أشياء فجاء عيسى ليبين لهم الحق في تلك المسائل الخلافية، وبالجملة فالحكمة معناها أصول الدين و{بعض الذي تختلفون فيه} معناه فروع الدين، فإن قيل لم لم يبين لهم كل الذي يختلفون فيه؟ قلنا لأن الناس قد يختلفون في أشياء لا حاجة بهم إلى معرفتها، فلا يجب على الرسول بيانها، ولما بين الأصول والفروع قال: {فاتقوا الله} في الكفر به والإعراض عن دينه {وَأَطِيعُونِ} فيما أبلغه إليكم من التكاليف {إِنَّ الله هُوَ رَبّى وَرَبُّكُمْ فاعبدوه هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ} والمعنى ظاهر {فاختلف الأحزاب} أي الفرق المتحزبة بعد عيسى وهم الملكانية واليعقوبية والنسطورية، وقيل اليهود والنصارى {فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} وهو وعيد بيوم الأحزاب، فإن قيل قوله: {مِن بَيْنِهِمْ} الضمير فيه إلى من يرجع؟ قلنا إلى الذين خاطبهم عيسى في قوله: {قَدْ جِئْتُكُم بالحكمة} وهم قومه.
ثم قال: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} فقوله أن تأتيهم بدل من الساعة والمعنى هل ينظرون إلا إتيان الساعة.
فإن قالوا قوله: {بَغْتَةً} يفيد عين ما يفيده قوله: {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} فما الفائدة فيه؟ قلنا يجوز أن تأتيهم بغتة وهم يعرفونه بسبب أنهم يشاهدونه.
{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)}.
اعلم أنه تعالى لما قال: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} [الزخرف: 66] ذكر عقيبه بعض ما يتعلق بأحوال القيامة فأولها قوله تعالى: {الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين} والمعنى {الأخلاء} في الدنيا {يَوْمَئِذٍ} يعني في الآخرة {بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} يعني أن الخلة إذا كانت على المعصية والكفر صارت عداوة يوم القيامة {إِلاَّ المتقين} يعني الموحدين الذين يخالل بعضهم بعضًا على الإيمان والتقوى، فإن خلتهم لا تصير عداوة، وللحكماء في تفسير هذه الآية طريق حسن، قالوا إن المحبة أمر لا يحصل إلا عند اعتقاد حصول خير أو دفع ضرر، فمتى حصل هذا الاعتقاد حصلت المحبة لا محالة، ومتى حصل اعتقاد أنه يوجب ضررًا حصل البغض والنفرة، إذا عرفت هذا فنقول: تلك الخيرات التي كان اعتقاد حصولها يوجب حصول المحبة، إما أن تكون قابلة للتغير والتبدل، أو لا تكون كذلك، فإن كان الواقع هو القسم الأول، وجب أن تبدل تلك المحبة بالنفرة، لأن تلك المحبة إنما حصلت لاعتقاد حصول الخير والراحة، فإذا زال ذلك الاعتقاد، وحصل عقيبه اعتقاد أن الحاصل هو الضرر والألم، وجب أن تتبدل تلك المحبة بالبغضة، لأن تبدل العلة يوجب تبدل المعلول، أما إذا كانت الخيرات الموجبة للمحبة، خيرات باقية أبدية، غير قابلة للتبدل والتغير، كانت تلك المحبة أيضًا محبة باقية آمنة من التغير، إذا عرفت هذا الأصل فنقول الذين حصلت بينهم محبة ومودة في الدنيا، إن كانت تلك المحبة لأجل طلب الدنيا وطيباتها ولذاتها، فهذه المطالب لا تبقى في القيامة، بل يصير طلب الدنيا سببًا لحصول الآلام والآفات في يوم القيامة، فلا جرم تنقلب هذه المحبة الدنيوية بغضة ونفرة في القيامة، أما إن كان الموجب لحصول المحبة في الدنيا الاشتراك في محبة الله وفي خدمته وطاعته، فهذا السبب غير قابل للنسخ والتغير، فلا جرم كانت هذه المحبة باقية في القيامة، بل كأنها تصير أقوى وأصفى وأكمل وأفضل مما كانت في الدنيا، فهذا هو التفسير المطابق لقوله تعالى: {الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلاَّ المتقين}. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ عيسى بالبينات}.
قال ابن عباس: يريد إحياء الموتى وإبراء الأسقام، وخَلْقَ الطير، والمائدة وغيرها، والإخبار بكثير من الغيوب.
وقال قتادة: البينات هنا الإنجيل.
{قال قَدْ جِئْتُكُم بالحكمة} أي النبوّة؛ قاله السُّدّي.
ابن عباس: علم ما يؤدي إلى الجميل ويكف عن القبيح.
وقيل الإنجيل؛ ذكره القشيري والماوردي.
{وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الذي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} (قال مجاهد: من تبديل التوراة.
الزجاج: المعنى لأبين لكم في الإنجيل بعض الذي تختلفون فيه من تبديل التوراة.
قال مجاهد: وبيّن لهم في غير الإنجيل ما احتاجوا إليه.
وقيل: بيّن لهم بعض الذي اختلفوا فيه من أحكام) التوراة على قدر ما سألوه.
ويجوز أن يختلفوا في أشياء غير ذلك لم يسألوه عنها.
وقيل: إن بني إسرائيل اختلفوا بعد موت موسى في أشياء من أمر دينهم وأشياء من أمر دنياهم فبيّن لهم أمر دينهم.
ومذهب أبي عبيدة أن البعض بمعنى الكل؛ ومنه قوله تعالى: {يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذي يَعِدُكُمْ} [غافر: 28].
وأنشد الأخفش قول لبيد:
تراك أمكنة إذا لم أرضها ** أو تعتلق بعض النفوس حِمامها

والموت لا يعتلق بعض النفوس دون بعض.
ويقال للمنية: عَلُوق وعَلاّقة.
قال المفضل البكري:
وسائلة بثَعْلَبَة بن سَيْر ** وقد عَلِقت بثعلبة العَلُوقُ

وقال مقاتل: هو كقوله: {وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الذي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران: 50].
يعني ما أحل في الإنجيل مما كان محرّمًا في التوراة؛ كلحم الإبل والشحم من كل حيوان وصيد السمك يوم السبت.
{فاتقوا الله} أي اتقوا الشرك ولا تعبدوا إلا الله وحده؛ وإذا كان هذا قول عيسى فكيف يجوز أن يكون إلها أو ابن إله.
{وَأَطِيعُونِ} فيما أدعوكم إليه من التوحيد وغيره.
{إِنَّ الله هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فاعبدوه هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} أي عبادة الله صراط مستقيم، وما سواه معوّج لا يؤدّي سالكه إلى الحق.
قوله تعالى: {فاختلف الأحزاب مِن بَيْنِهِمْ} قال قتادة: يعني ما بينهم، وفيهم قولان: أحدهما أنهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، خالف بعضهم بعضًا؛ قاله مجاهد والسُّدّي.
الثاني فرق النصارى من النُّسْطُورِية والملكية واليعاقبة، اختلفوا في عيسى؛ فقالت النسطورية: هو ابن الله.
وقالت اليعاقبة: هو الله.
وقالت الملكية: ثالث ثلاثة أحدهم الله؛ قاله الكلبي ومقاتل، وقد مضى هذا في سورة (مريم).
{فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أي كفروا وأشركوا؛ كما في سورة (مريم).
{مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} أي أليم عذابه؛ ومثله: ليل نائم؛ أي ينام فيه.
{هَلْ يَنظُرُونَ} يريد الأحزاب لا ينتظرون.
{إِلاَّ الساعة} يريد القيامة.
{أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} أي فجأة.
{وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} يفطنون.
وقد مضى في غير موضع.
وقيل: المعنى لا ينتظر مشركو العرب إلا الساعة.
ويكون (اْلأَحْزَابُ) على هذا، الذين تحزّبوا على النبي صلى الله عليه وسلم وكذّبوه من المشركين.
ويتصل هذا بقوله تعالى: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ}.
قوله تعالى: {الأخلاء يَوْمَئِذٍ} يريد يوم القيامة.
{بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} أي أعداء، يعادي بعضهم بعضًا ويلعن بعضهم بعضًا.
{إِلاَّ المتقين} فإنهم أخلاء في الدنيا والآخرة؛ قال معناه ابن عباس ومجاهد وغيرهما.
وحكى النقاش أن هذه الآية نزلت في أميّة بن خلف الْجُمَحِيّ وعُقْبة بن أبي مُعَيْط، كانا خليلين؛ وكان عقبة يجالس النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت قريش: قد صبأ عقبة بن أبي مُعَيط؛ فقال له أميّة: وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمدًا ولم تَتْفُل في وجهه؛ ففعل عقبة ذلك؛ فنذر النبي صلى الله عليه وسلم قتله فقتله يوم بدرٍ صَبْرًا، وقُتل أميّة في المعركة؛ وفيهم نزلت هذه الآية.
(وذكر الثعلبي رضي الله عنه في هذه الآية) قال: كان خليلان مؤمنان وخليلان كافران، فمات أحد المؤمنين فقال: يا رب، إن فلانًا كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك، وكان يأمرني بالخير وينهاني عن الشر، ويخبرني أني ملاقيك، يا رب فلا تُضِلّه بعدي، واهده كما هديتني، وأكرمه كما أكرمتني.
فإذا مات خليله المؤمن جمع الله بينهما، فيقول الله تعالى: لِيُثْنِ كل واحد منكما على صاحبه، فيقول: يا ربّ، إنه كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر، ويخبرني أني ملاقيك، فيقول الله تعالى: نِعم الخليل ونعم الأخ ونعم الصاحب كان.
قال: ويموت أحد الكافرين فيقول: يا رب، إن فلانًا كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير، ويخبرني أني غير ملاقيك، فأسألك يا رب ألاّ تَهْدِه بعدي، وأن تضله كما أضللتني، وأن تهينه كما أهنتني؛ فإذا مات خليله الكافر قال الله تعالى لهما: لِيُثْنِ كل واحد منكما على صاحبه، فيقول: يا ربّ، إنه كان يأمرني بمعصيتك ومعصية رسولك، ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير ويخبرني أني غير ملاقيك، فأسألك أن تضاعف عليه العذاب؛ فيقول الله تعالى: بئس الصاحب والأخ والخليل كنت.
فيلعن كل واحد منهما صاحبه.
قلت: والآية عامة في كل مؤمن ومتقٍ وكافر ومُضِل. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلَمَّا جَاء عيسى بالبينات}.
بالأمور الواضحات وهي المعجزات أو آيات الإنجيل أو الشرائع ولا مانع من إرادة الجميع {قال} لبني إسرائيل {قَدْ جِئْتُكُم بالحكمة} أي الإنجيل كما قال القشيري: والماوردي، وقال السدي: بالنبوة، وفي رواية أخرى عنه هي قضايا يحكم بها العقل، وقال أبو حيان: أي بما تقتضيه الحكمة الإلهية من الشرائع، وقال الضحاك: أي بالموعظة {وَلابَيّنَ لَكُم} متعلق بمقدر أي وجئتكم لأبين لكم، ولم يترك العاطف ليتعلق بما قبله ليؤذن بالاهتمام بالعلة حيث جعلت كأنها كلام برأسه.
وفي (الإرشاد) هو عطف على مقدر ينبىء عنه المجىء بالحكمة كأنه قيل قد جئتكم بالحكمة لأعلمكم إياها ولأبين لكم {بَعْضَ الذي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} وهو أمر الديانات وما يتعلق بالتكليف دون الأمور التي لم يتعبدوا بمعرفتها ككيفية نضد الأفلاك وأسباب اختلاف تشكلات القمر مثلًا فإن الأنبياء عليهم السلام لم يبعثوا لبيان ما يختلف فيه من ذلك ومثلها ما يتعلق بأمر الدنيا ككيفية الزراعة وما يصلح الزرع وما يفسده مثلًا فإن الأنبياء عليهم السلام لم يبعثوا لبيانه أيضًا كما يشير إليه قوله صلى الله عليه وسلم في قصة تأبير النخل «أنتم أعلم بأمور دنياكم».
وجوز أن يراد بهذا البعض بعض أمور الدين المكلف بها وأريد بالبيان البيان على سبيل التفصيل وهي لا يمكن بيان جميعها تفصيلًا وبعضها مفوض للاجتهاد، وقال أبو عبيدة: المراد بعض الذي حرم عليهم وقد أحل عليه السلام لهم لحوم الإبل والشحك من كل حيوان وصيد السمك يوم السبت، وقال مجاهد: بعض الذي يختلفون فيه من تبديل التوراة، وقال قتادة: لأبين لكم اختلاف الذين تحزبوا في أمره عليه السلام {فاتقوا الله} من مخالفتي {وَأَطِيعُونِ} فيما أبلغه عنه تعالى.
{إِنَّ الله هُوَ رَبّى وَرَبُّكُمْ فاعبدوه} بيان لما أمرهم بالطاعة فيه وهو اعتقاد التوحيد والتعبد بالشرائع {هذا} أي هذا التوحيد والتعبد بالشرائع {صراط مُّسْتَقِيمٍ} لا يضل سالكه، وهو إما من تتمة كلام عيسى عليه السلام أو استئناف من الله تعالى مقرر لمقالة عيسى عليه السلام.
{فاختلف الأحزاب} الفرق المتحزبة {مِن بَيْنِهِمْ} من بين من بعث إليهم وخاطبهم بما بما خاطبهم من اليهود والنصارى وهم أمة دعوته عليه السلام، وقيل: المراد النصارى وهم أمة إجابته عليه السلام، وقد اختلفوا فرقًا ملكانية ونسطورية ويعقوبية {فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ ظَلَمُواْ} من المختلفين وهم الذين لم يقولوا: إنه عبد الله ورسوله {مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} هو يوم القيامة وأليم صفة عذاب أو يوم على الإسناد المجازي.
{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} الضمير لقريش، وأن تأتيهم بدل من الساعة، والاستثناء مفرغ، وجوز جعل إلا بمعنى غير والاستفهام للإنكار وينظرون بمعنى ينتظرون أي ما ينتظرون شيئًا إلا إتيان الساعة فجأة وهم غافلون عنها، وفي ذلك تهكم بهم حيث جعل إتيان الساعة كالمنتظر الذي لابد من وقوعه.
ولما جاز اجتماع الفجأة والشعور وجب أن يقيد ذلك بقوله سبحانه: {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} لعدم إغناء الأول عنه فلا استدراك، وقيل: يجوز أن يراد بلا يشعرون الإثبات لأن الكلام وارد على الإنكار كأنه قيل: هل يزعمون أنها تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون أي لا يكون ذلك بل تأتيهم وهم فطنون، وفيه ما فيه، وقيل: ضمير {يُنظَرُونَ} للذين ظلموا، وقيل: للناس مطلقًا وأيد بما أخرجه ابن مردويه عن أبي سعيد قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تقوم الساعة والرجلات يحلبان النعجة والرجلان يطويان الثوب ثم قرأ عليه الصلاة والسلام {هل ينظرون إلا الساعة أن تؤتيهم بغتة وهم لا يشعرون}».